فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وظاهر كلام الكشف اختيار هذا الوجه حيث قال المدقق فيه: والمعنى على هذا أظهر لكثرة ما يلزم من الإضمار، وان تقييد الجواب بقوله تعالى: {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ} إلى {وَلاَ خلال} ليس فيه كثير طائل إنما المناسب تقييد الأمر به، وقال ابن عطية: ويظهر أن مقول القول: {الله الذى} [إبراهيم: 32] الخ ولا يخفى ما في ذلك من التفكيك، على أنه لا يصح حينئذ أن يكون {يُقِيمُواْ} مجزومًا في جواب الأمر لأن قول: {الله الذى} [إبراهيم: 32] الخ لا يستدعي إقامة الصلاة والإنفاق إلا بتقدير بعيد جدًا هذا، والمراد بالصلاة قيل ما يعم كل صلاة فرضًا كانت أو تطوعًا، وعن ابن عباس تفسيرها بالصلاة المفروضة وفسر الإنفاق بزكاة الأموال.
ولا يخفى عليك أن زكاة المال إنما فرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد صدقة الفطر وان هذه السورة كلها مكية عند الجمهور، والآيتين ليست هذه الآية إحداهن عند بعض، ثم إن لم يكن هذا المأمور به في الآية مأمورًا به من قبل فالأمر ظاهر وإن كان مأمورًا به فالأمر للدوام فتحقق ذلك ولا تغفل {سِرّا وَعَلاَنِيَةً} منتصبان على المصدرية لكن من الأمر المقدر أو من الفعل المذكور على ما ذهب إليه الكسائي ومن معه على ما قيل، والأصل إنفاق سر وإنفاق علانية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه، ويجوز أن يكون الأصل إنفاقًا سرًا وإنفاقًا علانية فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وجوز أن يكونا منتصبين على الحالية أما على التأويل بالمشتق أو على تقدير مضاف أي مسرين ومعلنين أو ذوي سر وعلانية أو على الظرفية أي في سر وعلانية، وقد تقدم الكلام في حكم نفقة السر ونفقة العلانية {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} فيبتاع المقصر فيه ما يتلافى به تقصيره أو يفتدي به نفسه، والمقصود كما قال بعض المحققين نفى عقدًا لمعاوضة بالمرة، وتخصيص البيع بالذكر للإيجاز مع المبالغة في نفي العقد إذ انتفاء البيع يستلزم انتفاء الشراء على أبلغ وجه وانتفاؤه ربما يتصور مع تحقق الإيجاب من البائع انتهى، وقيل: إن البيع كما يستعمل في إعطاء المثمن وأخذا الثمن وهو المعنى الشائع يستعمل في إعطاء الثمن وأخذ المثمن وهو معنى الشراء؛ وعلى هذا جاء قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يبيعن أحدكم على بيع أخيه» ولا مانع من إرادة المعنيين هنا، فإن قلنا بجواز استعمال المسترك في معنييه مطلقًا كما قال به الشافعية أو في النفي كما قال به ابن الهمام فذاك وإلا احتجنا إلى ارتكاب عموم المجاز فكأنه قيل: لا معاوضة فيه {وَلاَ خلال} أي مخالة فهو كما قال أبو عبيدة وغيره مصدر خاللته كالخلال، وقال الأخفش: هو جمع خليل كأخلاء وأخلة، والمراد واحد وهو نفي أن يكون هناك خليل ينتفع به بأن يشفع له أو يسامحه بما يفتدي به، ويحتمل أن يكون المعنى من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه لما لهجوا بتعاطيه من البيع والمخالة ولا انتفاع بذلك وإنما الانتفاع والارتفاق فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى، فعلى الأول المنفي البيع والخلال في الآخرة، وعلى هذا المراد نفي البيع والخلال الذين كانا في الدنيا بمعنى نفي الانتفاع بهما، و{فِيهِ} ظرف للانتفاع المقدر حسبما أشرنا إليه، ولا يشكل ما هنا مع قوله تعالى: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67] حيث أثبت فيه المخالة وعدم العداوة بين المتقين لأن المراد هنا على ما قيل نفي المخالة النافعة بذاتها في تدارك ما فات ولم يذكر في تلك الآية أن المتقين يتدارك بعضهم لبعض ما فات.
وقيل: في التوفيق بين الآيتين: إن المراد لا مخالة بسبب ميل الطبع ورغبة النفس وتلك المخالة الواقعة بين المتقين في الله تعالى، مع أن الاستثناء من الإثبات لا يلزمه النفي وإن سلم لزومه فنفى العداوة لا يلزم منه املخالة وهو كما ترى؛ ومثله ما قيل: إن الإثبات والنفي بحسب المواطن.
والظرف على ما استظهره غير واحد متعلق بالأمر المقدر، وعلقه بالفعل المذكور من رأى رأى الكسائي ومن معه بل وبعض من رأى غير ذلك إلا أنه لا يخلو عن شيء، وتذكير اتيان ذلك اليوم على ما في إرشاد العقل السليم لتأكيد مضمون الأمر من حيث أن كلا من فقدان الشفاعة وما يتدارك به التقصير معاوضة وتبرعًا وانقطاع آثار البيع والخلال والواقعين في الدنيا وعدم الانتفاع بهما من أقوى الدواعي إلى الإتيان بما تبقى عوائده وتدوم فوائده من الإنفاق في سبيل الله تعالى أو من حيث أن ادخار المال وترك انفاقه إنما يقع غالبًا للتجارات والمهاداة فحيث لا يمكن ذلك في الآخرة فلا وجه لادخاره إلى وقت الموت.
وتخصيص أمر الإنفاق بذلك التأكيد لميل النفوس إلى المال وكونها مجبولة على حبه والضنة به.
وفيه أيضًا أنه لا يبعد أن يكون تأكيدًا لمضمون الأمر بإقامة الصلاة أيضًا من حيث أن تركها كثيرًا ما يكون للاشتغال بالبياعات والمخاللات كما في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْوًا انفضوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] وأنت تعلم بعده لفظًا بناء على تعلق {سِرّا وَعَلاَنِيَةً} بالأمر بالإنفاق، ثم إن ما ذكر من الوجهين في الآية هو الذي ذكره بعض المحققين، واقتصر الزمخشري فيها على الوجه الثاني، وكلامه في تقريره ظاهر في أن فائدة التقييد الحث على الإنفاق حسبما بينه في الكشف، وفيه تقرير الحاصل أن قوله تعالى: {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خلال} أي لا انتفاع بهما كناية عن الانتفاع بما يقابلهما وهو ما أنفق لوجه الله تعالى فهو حث على الإنفاق لوجهه سبحانه كأنه قيل: لينفقوا له من قبل أن يأتي يوم ينتفع بانفاقهم المنفقون له ولا ينفع الندم لمن أمسك، والعدول إلى ما في النظم الجليل ليفيد الحصر وإن ذلك وحده هو المنتفع به، وليفيد المضاة بين ما ينفع عاجليًا وما ينفع آجليًا، وذكر في آية البقرة [254] {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ} أن المعنى من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق لأنه لا بيع حتى تبتاعوا ما تنفقونه ولا خلة حتى يسامحكم أخلاؤكم به، وبين المدقق وجه اختصاص كل من المعنيين بموضعه مع صحة جريانهما جميعًا في كل من الموضعين بأن الأول خطاب عام فكان الحث فيه الإنفاق مطلقًا وتصوير أن الإنفاق نفسه هو المطلوب فليغتنم قبل أن يأتي يوم يفوت فيه ولا يدركه الطالب هو الموافق لمقتضى المقام وأن الثاني لما اختص بالخلص كان الموافق للمقام تحريضهم على ما هم عليه من الإنفاق ليدوموا عليه فقيل: دوموا عليه وتمسكوا به تغتبطوا يوم لا ينفع إلا من دام عليه، ولو قيل: دوموا عليه قبل أن يفوتكم ولا تدركوه لم يكن بتلك الوكادة لأن الأول بالحث على طلب أصل الفعل أشبه والثاني بطلب الدوام فتفطن له اهـ ولا يخلو عن دغدغة.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير ويعقوب {لاَّ بَيْعٌ فِيهَا وَلاَ خلال} بفتح الاسمين تنصيصًا على استغراق النفي، ودلالة الرفع على ذلك باعتبار خطابي هو على ما قيل وقوعه في جواب هل فيه بيع أو خلال؟. اهـ.

.قال القاسمي:

{قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ}.
وهو يوم القيامة: {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} أي: ليتدارك به التقصير، أو يفتدى به: {وَلاَ خِلاَلٌ} أي: مخالة. مصدر بمعنى المصاحبة؛ أي: لا مفاداة فيه ولا خلة أحد بمغنية شيئًا من شفاعة أو مسامحة بمال يفتدي به، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 123].
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف طابق الأمر بالإنفاق وصف اليوم بأنه لا بيع فيه ولا خلال؟ قلت: من قبل أن الناس يخرجون أموالهم في عقود المعاوضات فيعطون بدلًا ليأخذوا مثله، وفي المكارمات ومهاداة الأصدقاء ليستجروا بهداياهم أمثالها، أو خيرًا منها. وأما الإنفاق لوجه الله خالصًا، فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص، فبُعثوا عليه ليأخذوا بدله في اليوم: {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} أي: لا انتفاع فيه بمبايعة ولا بمخالة ولا بما ينفقون فيه أموالهم من المعاوضات والمكارمات، وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله. انتهى.
قال أبو السعود: والظاهر أن {من} متعلقة بـ {أنفقوا} وتذكير إتيان ذلك اليوم لتأكيد مضمونه، من حيث أن كلًا من فقدان الشفاعة وما يتدارك به التقصير؛ معاوضة وتبرعًا، وانقطاع آثار البيع والخلال الواقعين في الدنيا وعدم الانتفاع بهما من أقوى الدواعي إلى الإتيان بما تبقى عوائده وتدوم فوائده من الإنفاق في سبيله تعالى. أو من حيث إن ادخار المال وترك إنفاقه، إنما يقع غالبًا للتجارات والمهاداة. فحيث لا يمكن ذلك في الآخرة، فلا وجه لادخاره إلى وقت الموت. وتخصيص التأكيد بذلك لميل الطباع إلى المال، وكونها مجبولة على حبه والفتنة به. ولا يبعد أن يكون تأكيدًا لمضمون الأمر بإقامة الصلاة أيضًا، من حيث إن تركها، كثيرًا ما يكون بالاشتغال بالبيوع والمخالات. كما في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: من الآية 11]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}.
استئناف نشأ عن ذكر حال الفريق الذي حقت عليه الكلمة الخبيثة بذكر حال مقابله، وهو الفريق الذي حقت عليه الكلمة الطيبة.
فلما ابتدىء بالفريق الأول لقصد الموعظة والتخلي ثُنّي بالفريق الثاني على طريقة الاعتراض بين أغراض الكلام كما سيأتي في الآية عقبها.
ونظيره قوله تعالى في سورة الإسراء: {وقالوا أإذا كنا عظامًا ورفاتًا إنا لمبعوثون خلقًا جديدًا قل كونوا حجارة إلى أن قال وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [سورة الإسراء: 50، 52].
ولما كانوا متحلين بالكمال صِيغَ الحديث عنهم بعنوان الوصف بالإيمان، وبصيغة الأمر بما هم فيه من صلاة وإنفاق لقصد الدوام على ذلك، فحصلت بذلك مناسبة وقع هذه الآية بعد التي قبلها لمناسبة تضاد الحالين.
ولما كان المؤمنون يقيمون الصلاة من قبل وينفقون من قبل تعين أن المراد الاستزادة من ذلك، ولذلك اختير المضارع مع تقدير لام الأمر دون صيغة فعل الأمر لأن المضارع دال على التجدد، فهو مع لام الأمر يلاقي حال المتلبس بالفعل الذي يؤمر به بخلاف صيغة افعل فإن أصلها طلب إيجاد الفعل المأمور به من لم يكن ملتبسًا به، فأصل {يقيموا الصلاة} ليقيموا، فحذفت لام الأمر تخفيفًا.
وهذه هي نكتة ورود مثل هذا التركيب في مواضع وروده، كما في هذه الآية وفي قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} في سورة الإسراء [52]، أي قل لهم ليقيموا وليقولوا، فحكي بالمعنى.
وعندي: أن منه قوله تعالى: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون} في سورة الحجر [3]، أي ذرهم ليأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل.
فهو أمر مستعمل في الإملاء والتهديد، ولذلك نوقن بأن الأفعال هذه معمولة للام أمر محذوفة.
وهذا قول الكسائي إذا وقع الفعل المجزوم بلام الأمر محذوفة بعد تقدم فعل {قل}، كما في مغني اللبيب ووافقه ابن مالك في شرح الكافية.
وقال بعضهم: جزم الفعل المضارع في جواب الأمر بـ {قل} على تقدير فعل محذوف هو المقول دل عليه ما بعده.
والتقدير: قل لعبادي أقيموا يقيموا وَأنفقوا ينفقوا.
وقال الكسائي وابن مالك إن ذلك خاص بما يقع بعد الأمر بالقول كما في هذه الآية، وفاتهم نحو آية: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا} وزيادة {مما رزقناهم} للتذكير بالنعمة تحريضًا على الإنفاق ليكون شكرًا للنعمة.
و{سرًا وعلانية} حالان من ضمير {ينفقوا}، وهما مصدران.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {سرًا وعلانية} في سورة البقرة [274].
والمقصود تعميم الأحوال في طلب الإنفاق لكيلا يظنوا أن الإعلان يجر إلى الرياء كما كان حال الجاهلية، أو أن الإنفاق سرًا يفضي إلى إخفاء الغني نعمة الله فيجر إلى كفران النعمة، فربما توخى المرء أحد الحالين فأفضى إلى ترك الإنفاق في الحال الآخر فتعطل نفع كثير وثواب جزيل، فبين الله للناس أن الإنفاق بِرّ لا يكدره ما يحف به من الأحوال، وإنما الأعمال بالنيات.
وقد تقدم شيء من هذا عند قوله: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم} [سورة التوبة: 79] الآية.
وقيل المقصود من السر الإنفاق المتطوع به، ومن العلانية الإنفاق الواجب.
وتقديم السر على العلانية تنبيه على أنه أولى الحالين لبعده عن خواطر الرياء، ولأن فيه استبقاءً لبعض حياء المتصدق عليه.
وقوله: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه} الخ متعلق بفعل {يقيموا الصلوات وينفقوا}، أي ليفعلوا ذينك الأمرين قبل حلول اليوم الذي تتعذر فيه المعاوضات والإنفاق.
وهذا كناية عن عظيم منافع إقامة الصلاة والإنفاق قبل يوم الجزاء عنهما حين يتمنون أن يكونوا ازدادوا من ذينك لما يسرهم من ثوابهما فلا يجدون سبيلًا للاستزادة منهما، إذ لا بيع يومئذٍ فيشترى الثواب ولا خلال من شأنها الإرفاد والإسعاف بالثواب.
فالمراد بالبيع المعاوضة وبالخلال الكناية عن التبرع.
ونظيره قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} في سورة البقرة [254].
وبهذا تبين أن المراد من الخلال هنا آثارها، بقرينة المقام، وليس المراد نفي الخلة، أي الصحبة والمودّة لأن المودّة ثابتة بين المتقين، قال تعالى: {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [سورة الزخرف: 67].
وقد كني بنفي البيع والخلال التي هي وسائل النوال والإرفاد عن انتفاء الاستزادة.
وإدخال حرف الجر على اسم الزمان وهو {قبل} لتأكيد القبلية ليفهم معنى المبادرة.
وقرأ الجمهور {لا بيع} بالرفع.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب بالبناء على الفتح.
وهما وجهان في نفي النكرة بحرف {لا}. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}.
أمر تعالى في هذه الآية الكريمة بالمبادرة إلى الطاعات كالصلوات والصدقات من قبل إتيان يوم القيامة الذي هو اليوم الذي لا بيع فيه ولا مخالة بين خليلين فينتفع أحدهما بخلة الآخر فلا يمكن أحدًا أن تباع له نفسه فيفديها ولا خليل ينفع خليله يومئذ وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: {يا أيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254] الآية. وقوله: {فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} [الحديد: 15] وقوله: {واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 123] الآية. ونحو ذلك من الآيات والخلال في هذه الآية قيل: جمع خلة كقلة وقلال والخلة: المصادقة وقيل: هو مصدر خاله على وزن فاعل مخالة وخلالًا ومعلوم أن فاعل ينقاس مصدرها على المفاعلة والفعال. وهذا هو الظاهر ومنه قول امرىء القيس:
صرفت الهوى عنهن من خشية الردى ** ولست بمقلي الخلال ولا قال

أي لست بمكروه المخالة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}.
و{قُلْ} من الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهل معنى هذا أن العباد الذين سيسمعون هذا الأمر سيقومون إلى الصلاة؛ لقد سمعه بعضهم ولم يَقُم إلى الصلاة.
إذن: مَنْ يُطع الأمر هو مَنْ حقَّق شَرْط الإيمان، وعلينا أن ننظر إلى مُكْتنفات كلمة {عبادي} فعباد الله هم الذين آمنوا، وحين يؤمنون فهم سيُعبِّرون عن هذا الإيمان بالطاعة. وهكذا نفهم معنى الألفاظ لتستقيم معانيها في أساليبها.
وكل خَلْق الله عبيد له؛ ذلك أن هناك أمورًا قد أرادها الله قد طريقة خَلْقهم، لا قدرةَ لهم على مخالفتها؛ فهو سبحانه قد قهرهم في أشياء؛ وخيَّرهم في أشياء.